دراسة الدكتورة سهام دراسة وافية مفيدة. وقد تحدثت في الباب الأول منها عن الوجود اليهودي في مصر، الذي بدأ ازدهاره بمجيء حملة نابليون على تلك البلاد عام 1798م، وازداد تأُّلقاً في عهد محمد علي باشا، الذي شهد عهده تدفق المضطهدين من اليهود في أوروبا على مصر، وبلغ قمة تألقه في عهد الخديوي سعيد وعهد الخديوي إسماعيل اللذين فتحا أبواب البلاد على مصاريعها أمام الأجانب بمن فيهم اليهود.

وفي حديث الدكتورة سهام عن النشاط اليهودي أشارت إلى أن من بين جوانبه البارزة إدارة أموال وخزائن الأسرة الحاكمة، وتزويدها بالقروض. وكان من أولئك اليهود يعقوب قطاوي الذي كان أحد الصيرفيين الكبار، وأمين خزينة الخديوي سعيد، ومدير إدارة سك العملة، والمتعهد بتقديم لوازم الحكومة، ومنهم أسرة أوبنهايم الألمانية الأصل، التي تولت إدارة ثروة ابن الخديوي عباس وممتلكاته وكان لليهود دور كبير في أزمة الديون المصرية، التي أدت إلى بيع أسهم قناة السويس ومن ثم إلى الاحتلال البريطاني عام 1881م، كما كان لهم دور في تنفيذ سياسة بريطانيا الرامية إلى وأد كل محاولة إنشاء صناعة وطنية في مصر.

ولما اتجهت البلاد إلى التصنيع بعد الحرب العالمية الأولى سيطر اليهود على قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل. وتحقيقاً لمآربهم أشركوا بعض الباشوات من المسؤولين المصريين في مشروعاتهم أو مجالس إداراتها، كما حدث بالنسبة لإسماعيل صدقي، الذي كان عضواً في مجالس سبع شركات كبرى، وعدلي يكن في البنك العقاري، وطلعت حرب في الشركة العقارية.

ولقد اهتمت الحركة الصهيونية العالمية بمصر لاعتبارات عديدة، منها جعلها مركز تجمع للهاربين من الاضطهاد في أوروبا كي ينقضوا منها على فلسطين، ونجحت في نشاطها إذ كونت (جمعية بركوخبا الصهونية).

في القاهرة عام 1897م، وهو العام الذي عقد فيه أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال السويسرية ثم أنشأت تلك الجمعية فرعاً في الإسكندرية وآخر في بورسعيد وأخذت على عاتقها مهمة الدعاية للصهيونية، امتداداً من الجزائر إلى الشرق الأقصى ثم أنشأ الصهيوني ليون كاسترو (المنظمة الصهيونية بمصر) عام 1917م، وهو العام الذي أصدر فيه بلفور وعده لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ثم أصدر كاسترو صحيفة الحرية باللغة الفرنسية عام 1921م وكان من أقطاب الشخصيات الصهيونية في مصر جاك موصيري، الذي قال: (إن الصهيونية غرست جذورها في تربة مناسبة (يعني مصر)، وفي أمة من أقرب جيران صهيون).

ولقد كان وعد بلفور نقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية بمصر إذ انفتح المجال أمامها أكثر من ذي قبل وكان شيكوريل محركاً فعالاً لها منذ توليه رئاسة المنظمة عام 1918م وتزامن مع إعلان وعد بلفور إنشاء صندوق غوث اليهود في مصر بمبادرة من يهود الإسكندرية؛ ومن اللافت للنظر أنه كان من بين المتبرعين لذلك الصندوق مسلمون مثل حسين محمد حسين وخليل باشا خياط وكان من مهام الصندوق ترحيل اليهود إلى فلسطين.

ولقد سبقت الإشارة إلى علاقة شخصيات يهودية بكل من الخديوي سعيد والخديوي إسماعيل وفي عهد الملك فؤاد بلغت تلك العلاقة أوجها إذ أحاط نفسه بحاشية بينهم عدد من الشخصيات اليهودية الكبيرة.

ومن هؤلاء يوسف قطاوي، الذي عُيِّن وزيراً للمالية، الذي كانت زوجته رئيسة التشريفات لدى زوجة الملك فؤاد، نازلي ثم لدى فريدة زوجة الملك فاروق.

ومما تحدثت عنه الدكتورة سهام دور اليهود في إدخال الشيوعية إلى مصر فكان جوزيف روزنتال مؤسس أول حزب اشتراكي في البلاد في أوائل العقد الثالث من القرن العشرين كما كان رائد الشيوعية فيها وقد سيطر اليهود على قنوات العمل الاشتراكي من ذلك الوقت إلى أواخر الأربعينيات.

وترجع الكاتبة الفاضلة سهام تبنيهم الفكر الاشتراكي إلى أسباب منها إنشاء حزب (مصر الفتاة) وجماعة (الإخوان المسلمون)، وهما من المنظمات التي كان لها دور في التصدي للنشاط الصهيوني، وكذلك لتبني الشيوعية للأممية، التي رآها اليهود درعاً واقياً في مواجهة التيار الإسلامي والقومي.

على أن كاتب هذه السطور يرى من الجدير بالذكر، هنا الإشارة إلى ما أبانه الكاتب الأمريكي ديفيد ديوك في كتابه: الصحوة، من أن الثورة البلشفية هي في حقيقة الأمر حركة يهودية الهدف والقيادة.

وتحدثت الدكتورة سهام نصار عن اليهود والماسونية ومن المعروف أن اليهود وراء الحركة الماسونية تخطيطاً وتنفيذاً.. وتكويناً وتوجيهاً بل إنها والصهيونية تكادان تكونان وجهين لعملة واحدة. والمرجع تاريخياً أن الحركة الماسونية بدأت في إنجلترا عام 1717م، أي قبل مئتي عام من صدور وعد بلفور المشؤوم، وفي عام 1924م أقام ثمانية من رؤساء المحافل اليهودية في نيويورك حفلاً كبيراً لوايزمان أعلنوا فيه (وقف أنفسهم ومحافلهم لخدمة الحركة الصهيونية) وقد التحق يهود مصر، وبخاصة الأغنياء منهم، بالماسونية وكان يوسف قطاوي رئيس شرف في المحافل الماسونية المصرية كما كان من أبرز أعضاء محفل (كوكب الشرق) الإنجليزي الذي تولى رئاسته جمال الدين الأفغاني واحتل عدد من يهود مصر أرقى الدرجات في السلم الماسوني، بل إن شخصيات مصرية بارزة احتلت مناصب في المحافل الماسونية.

ومن ذلك أن محمد فهمي باشا، وزير مصر المفوض بأثينا سابقاً، وعضو مجلس الشيوخ المصري، كان أستاذاً أعظم (للمحفل الأكبر الوطني المصري) عام 1922م، وإبراهيم فهمي باشا، وزير المواصلات نائباً له، وعلي جمال الدين باشا وزير الحربية والبحرية، مساعداً للنائب بل إن أحمد ماهر باشا كان رئيساً أعلى لذلك المحفل.

وقد أشارت الدكتورة سهام نصار إلى إدراك الصهاينة لأهمية الصحافة في التأثير على الرأي العام وكانت هي الوسيلة الإعلامية الأقوى في تلك الفترة.

فعملوا على الإفادة منها وقد أصدر اليهود في مصر صحفاً كثيرة بلغات مختلفة أغلبها بالفرنسية التي كان يجيدها المتنفذون منهم، التي كانت لغة التخاطب بين الجاليات الأجنبية في البلاد، ولغة صالونات الطبقة الارستقراطية المصرية.

وكان أصحاب تلك الصحف - بطبيعة الحال - من المتحمسين للحركة الصهيونية الداعمين لمشروعاتها من أمثال ادجار سوارس، وجاك موصيري، وموسى قطاوي، وليون كاسترو وأشارت الدكتورة سهام إلى كل صحيفة، تاريخ نشأة واستمراراً باختصار، لكنها تحدثت بتفصيل وافٍ عن خمس عشرة منها أشهرها مجلة مصر الإسرائيلية، التي صدرت في الإسكندرية عام 1912م ومجلة النهضة اليهودية، والمجلة الصهيونية، اللتان صورتا في القاهرة عامي 1916 و 1918م على التوالي وهذه الثلاث باللغة الفرنسية ومجلة إسرائيل الأسبوعية التي صدرت في القاهرة عام 1920م بثلاث لغات: الفرنسية والعبرية والعربية وصحيفة الحرية اليومية، التي صدرت في القاهرة عام 1921م باللغة الفرنسية.

وعلى أي حال فقد كانت كل الصحف التي أصدرها اليهود مهما اختلفت اللغات التي كُتبت بها تخدم أهداف الحركة الصهيونية الرامية إلى استلاب فلسطين العزيزة من أهلها العرب وإحلال اليهود من مختلف بقاع العالم محلهم على ترابها الطاهر.

تنبيه

الموضوع الأصلي : الصحافة اليهودية والدعاية الصهيونية في مصر..دراسة د.سهام نصار -||- المصدر : منتديات شباب روش -||- الكاتب : تمساح

توقيع تمساح